درس من الطفولة في الوقت الذي تشعر فيه بالوحدة و تدق طبول الأسى والشدة أبوابك ، ينتابك الحنين لزمن مضى بدت جميلة أيامه و يزيد حزنك ليلاً وضحى ، فتجد الذكريات تداعب روحك المتعبة كنسمات البحر العليلة ، و تمتزج أحاسيس الحنين مع مشاعر الأنين فيضيق بذلك أفق الأمل وتتسع رقعة الملل ، في هذا الحين أغمض عيناي لعلي أتناسى أني لزمن الطفولة لن أولي.
الآن وأنا أعيد بث شريط طفولتي أجد روحاً نشيطة تشعل الوسط مرحاً وحبوراً ، فآتي نهاراً للغداء في عز الصيف بعد مباراة حامية الوطيس مع الخلان فأكتفي برمق القليل من الأكل وخزان كبير من الماء فلا وقت لمضغ الطعام إذ أن المباراة الثانية ستبدأ بعد ربع ساعة.
أرى طفلاً لم يسعه طول النهار للعب فأحيا الليل تكملة لنصاب حقه ، الأمر الذي أزعج الجيران فتعالت ويلات التهديد والعتاب بأن الكرة إن غدت بين أيديهم فلا داعي لشراء طاقية جديدة لأنه سيصبح له بدل الواحدة إثنتان . لا أريد أن أفتح عيناي فالإبتسامة التي حرمتُ لذتها منذ زمن أراها ترتسم على شفاهي بسلاسة ، عجيب سرد تلك المواقف كأنها حدثت بالأمس ولم يمضي على حدوثها إلا عشية أو ضحاها ، فلطالما أردنا أن نكبر ونصبح أحرار ، نرتاد الجامعة ونتخلص من تسلّط المدرسة ، لكني الآن أرى ذلك الإستعجال أمراً خاطئاً لم أتوقع يوماً أني سأُعيد النظر فيه ، فالشيء الوحيد الذي نلته من تلك الذكريات أن أعيش وقتي وحاضري وأن أترك المستقبل لحينه ، ِلم نستعجل قدوم الأشياء وننسى أننا نملك ما يساويها قيمة أو يفوقها !
يوماً ما ستشتاق لهذه اللحظة ليس لأنك ستعيش لحظة أسوء منها بل لأنك ستدرك أنها لن تعود وأنه كان بإمكانك جعلها أكثر متعة بما كنت تملك وقتها ، عندها لن ينفع الندم بل ستعض يدك حسرةً على ما جرى . أيقظ بصيرتك و تأمل حاضرك وفكر كيف تجعل اللحظة أفضل ما يمكن أن تكون عليه ، تذكر أنك في حمى أعين لا تنام و أن رب الأنام قريب منك يجيب دعوتك و يجبر ذكره خاطرك صادق الطمأنينة فسارع للمغفرة وطلب الجنان و لا تدع موطناً للندم على فوات الأوان .


تعليقات
إرسال تعليق