عندما يكون مستوى التوقعات أعلى من مستوى الأداء أي أعلى مما هو منجز فعلا، ينخفض مستوى التوقعات تلقائيا ليناسب مستوى الأداء. ومع انخفاض مستوى التوقعات ينخفض أيضا وبصورة تلقائية الحفز اللازم لتحسين مستوى الأداء، لأن هذا الحفز إنما يتعلق تعلقا وثيقا بحالات النجاح و الإخفاق التي يعيشها الإنسان.
ولما كانت طبيعة الإنسان تدفعه إلى أن يقارن مستوى أدائه بمستوى أداء من حوله، حتى في سن الطفولة المبكرة، فإن الشخص ذا مستوى الأداء المنخفض بالمقارنة مع مستوى أداء الآخرين ومع مستوى توقعاته لا بد أن يطور مشاعر الإحباط وضعف الثقة بالنفس، إذا ما تخطى مستوى أدائه حدا معينا إلى الأسفل ينظر إليه في قرارة نفسه على أنه الحد الأدنى المقبول.
ولقد سبق أن تطرقنا إلى هذا الموضوع في موضع آخر من الكتاب. وإذا ما تكررت مشاعر الإحباط تلك ودامت لفترة طويلة، فإن حالة من الإرهاق والضغط النفسي قد تسيطر على الإنسان يشعر فيها بالإحباط الدائم ويظن أنه فاشل و غير قادر على تحقيق ما هو متوقع منه، وقد تتدهور حالته أكثر فأكثر حتى يصبح سلوكه مخالفا لمبادئه وقناعاته.
وكما ذكرنا سابقا فإن هذا الشخص يكون عرضة لاضطرابات عصابية بسبب حالة الإحباط الدائم تلك. وما يشغلنا الآن هو معرفة مدى تأثر مستوى أداء الشخص بحالة الضغط النفسي التي يعاني منها. لقد أظهرت الدراسات التي أجريت في هذا السياق أن حالة الإحباط التي يتعرض لها الشخص قد تسبب في بداية الأمر زيادة مرحلية في مستوى أدائه.
ويشبه ذلك إلى حد بعيد الازدياد المؤقت لقوة الشخص الذي يتعرض للهجوم. ولكننا يجب أن نفرق هنا بين مستوى الأداء في مجال الأعمال الجسدية وبينه في المجال الفكري والعقلي، فبينما نلاحظ ارتفاعا في مستوى الأداء الجسدي للإنسان تحت حالة الإحباط والضغط النفسي، نلاحظ على العموم انخفاضا في مستوى الأداء الفكري والقدرة على التركيز، حيث يزداد عدد الأخطاء التي يرتكبها وتضعف ذاكرته وتنخفض قدرته على التحكم بحركاته. وهذا ما نلاحظه أيضا عندما ننظر إلى سلوك شخص ما في حالة ذعر أو هلع على سبيل المثال.
إنه قد يتمتع في تلك اللحظات بقدرات جسدية غير معتادة لم يعهدها من قبل، ولكنه من جهة أخرى قد يخفق في استيعاب أبسط العلاقات التي تستدعي التفكير والحكم العقلي والمنطقي. ولعل أثر الضغط النفسي الناتج عن استمرار حالة الإحباط يشبه أثر الذعر على مستوى أداء الإنسان، فهنا أيضا نلاحظ انخفاضا في مستوى الأداء الفكري والعقلي و ارتفاعا في مستوى الأداء الجسدي الذي يحتاج للقوة وفي مستوى الحماس والاندفاع.
وكثيرا ما يمكننا وصف الشخص الذي يعاني من الضغط النفسي بأنه دائم الانشغال ولا يعرف السكينة وأنه يعاني من فرط النشاط، فهو غير قادر على التركيز على مهمة بعينها حتى ينجزها بنجاح، بل إنه ينتقل من مهمة إلى أخرى دون أن يستوعب أية مهمة من مهامه ودون أن ينجز أية منها إنجازا تاما! فكمية الأعمال المنجزة تزداد في حالة الضغط النفسي، ولكن ذلك يكون على حساب الجودة، حيث يزداد كما ذكرنا عدد الأخطاء ويتراجع مستوى الدقة في الإنجاز. ففي مثال الضرب على الآلة الكاتبة نجد أن عدد الضربات في الدقيقة يزداد تحت الضغط النفسي ولكن عدد الأخطاء يزداد أيضا.
ولا يختلف أثر الخوف أو القلق بصورة عامة على مستوى الأداء عما ذكرناه سابقا عن أثر الإحباط والضغط النفسي. ولا عجب في ذلك، لأن الخوف هو شكل خاص من أشكال الإحباط أو الضغط النفسي. فالإنسان الخائف يشعر بالضعف إما بسبب عدم إنجازه لما هو متوقع منه وإما من خلال استذكاره لأمر مزعج كان قد حصل معه في الماضي وإما بسبب إدراكه لحقيقة وضعه الحالي غير المرضي. وذلك الشعور تحديدا بالضعف يؤثر سلبا على حفزه الأساسي وهذا التأثير السلبي هو نواة نشوء الإحباط كما رأينا سابقا.
ومع أننا نستطيع أن نتوقع من الإنسان الخائف المزيد من النشاط الحركي، بيد أن نتيجة هذا النشاط وجودة الأعمال المنجزة غالبا ما تكون أسوأ من الحالة الاعتيادية. فقدرة الإنسان على السيطرة وعلى التركيز في حالة الخوف تنخفض، كما تتراجع أيضا قدرته على الاستفادة من ذاكرته.
وليست نادرة حالات ضعف القدرة على التركيز لدى طلاب المدارس على سبيل المثال التي يسببها خوفهم أثناء الامتحان. فغالبا ما يحمل هؤلاء الطلاب فوق طاقاتهم إما من قبل الأهل وإما من قبل المعلمين، وكثيرا ما ينقصهم الشعور بالثقة والاستقرار في هذا العالم الغريب والغامض، وفي بعض الأحيان نجدهم يعانون من حالة عدم إشباع لإحدى حاجاتهم الأساسية في الحياة. وكل ذلك من شأنه أن يدفعهم إلى الإفراط في النشاط الحركي مع انخفاض في طاقاتهم الفكرية والعقلية المرتبطة بالنواحي النفسية.
وغالبا ما تعود أسباب انخفاض مستوى الأداء الفكري والعقلي لدى البالغين إلى اضطرابات في علاقاتهم مع الآخرين أو مع شركائهم في الحياة أو إلى اضطرابات في علاقاتهم مع رؤسائهم ومرؤوسيهم وزملائهم في العمل. وفي هذه الحالات أيضأ نلاحظ ارتفاعا في النشاط الجسدي والحركي.
وبجانب هذه الأسباب ذات الطابع الخارجي والتي سنتطرق إليها لاحقا هناك أسباب تتعلق ببساطة بتقدم سن الإنسان.


تعليقات
إرسال تعليق