القائمة الرئيسية

الصفحات

الأثر السيكولوجي للموسيقى على حالتنا النفسية



  إن ما يميز الموسيقى كما ذكرنا سابقا، هو قدرتها كمنبه أو مثير على "استدعاء" حالة نفسية معينة بطريق التداعي. ولما كانت حيانتا مرافقة بصورة شبه دائمة بالإيقاعات والألحان - وحتى عندما لا تصدر الموسيقى من أي مصدر خارجي، فإننا قد نشعر بها لأننا لا نستطيع بمحض إرادتنا أن نقصي الألحان والإيقاعات كليا عما يجول في فكرنا - فإننا سنربط في مخيلتنا ألحانا وإيقاعات كثيرة بحالات نفسية أو جسدية معينة.
   وتشبه ألية الربط هذه آلية نشوء رد الفعل المشروط بالاقتران التي شرحناها سابقا: عندما يغني لنا أحد أفراد أسرتنا أغنية ما في طفولتنا، فإن هذه الأغنية سترتبط بحالة نفسية معينة، حالة من الطمأنينة والأمان والعيش الهنيء، حالة تميز الطفولة السعيدة؛ و عندما نسمع هذه الأغنية لاحقا كبالغين وبعد عشرات السنين - ولو بشكل مختلف قليلا وبرفقة عدد من الآلات الموسيقية - لا عجب حينئذ أن نعود تلقائيا إلى تلك الحالة النفسية الطفولية وأن نشعر بنوع من الطمأنينة والراحة! 
   وهكذا نضطر لدى سماعنا للحن أو إيقاع معين إلى تذكر أمر بعينه وإلى استحضار حالة نفسية محددة وأحداث قديمة من الذاكرة، مما يجعلنا ندخل في عالم الأحلام والتخيلات فتنتابنا في بعض الحالات مشاعر حزن عميق أو فرح كبير يعكس تلك الحالة النفسية ذاتها. وإذا تساءلنا عن سبب النجاح الكبير الذي تلقاه الأغاني الشعبية التقليدية الرائجة التي تتوارثها الأجيال، فإننا سنجد السبب في أن هذه الأغاني التي حافظت على رواجها لعشرات الأعوام تذكر البالغ بطفولته وتشعره بالسعادة. وبإمكان كل منا أن يجري تجربة شخصية بسيطة ليشعر بهذا الأثر بنفسه. 
  فإذا استمع الإنسان البالغ ألحان اسطوانة قديمة تحتوي على بعض الأغاني التي اعتاد على سماعها في طفولته، فإنه سيشعر بكل تأكيد بنوع من الحنين إلى الطفولة السعيدة، وسيتذكر أناسا تعلق بهم في طفولته و أحداثا كانت مليئة بالإثارة والاستكشاف لم تخطر في باله منذ سنين. 
  ويمكن تشبيه هذا الأثر بالأثر الذي يتركه النظر إلى مجموعة من الصور القديمة، حيث كان الناظر طفلا صغيرا، فنجده ينظر في الصور ويتذكر الأمكنة والمناسبات التي أخذت فيها الصور والأشخاص المصورين معه فيها. 
  ولكن الانطباع الذي تتركه الموسيقى يبقى أقوى وأعمق من الانطباع الذي تتركه الصور! وربما يكمن السبب في ذلك في أن إدراك الموسيقي يتضمن قدرة أقل من الموضوعية من النظر إلى الصور أو قراءة قصة معينة، والموضوعية هي التي تعدل من قوة الانطباعات والمشاعر الهائجة. ولنقارن الآن بين هذه الحالة المزاجية التي تنشأ عندما نستمع إلى أغنية شعبية أو أغنية للأطفال محببة إلى قلبنا من جهة وتلك الحالة التي تنشأ بصورة تلقائية أيضا عندما نستمع إلى النشيد الوطني من جهة أخرى. 
  فهنا سينتابنا إلى حد ما شعور احتفالي وسنتذكر الوضعيات التي تعلمنا فيها النشيد الوطني أو التي شاركنا فيها في إنشاده بنجاح مميز. وقد يتذكر من شارك منا في الحرب الماضية بعض الحوادث المؤثرة جدا!
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع
    Back to top