القائمة الرئيسية

الصفحات

علم النفس والموسيقى



   1- الموسيقى هي وجه خاص ومميز من أوجه الحضارة الإنسانية :
  هناك العديد من الدلالات على أن الموسيقى، ولو في شكل بسيط يختلف عن شكلها الحالي، كانت على الدوام جزء مهم من الحياة الإنسانية. وحتى آثار ما قبل التاريخ تدل على استعمال الإنسان لأدوات موسيقية بسيطة. صحيح أن الأثر الفعال للتناغم، وهو إصدار علامات موسيقية متعددة ومتناغمة في الوقت ذاته، لم يكن معروفة في العصور القديمة، أي إن الناس كانوا يغنون أو يعزفون ألحانا بسيطة ودون مراعاة قوانين التناغم المعروفة في يومنا هذا، إلا أن الموسيقى في شكلها الأساسي كانت موجودة منذ الأزل. 
  وقد تكون البشرية قد طورت قدراتها الموسيقية على مر العصور كما يطور كل إنسان قدراته الموسيقية الخاصة في مراحل حياته المختلفة. فالطفل الصغير الذي يكتفي في بداية حياته بإصدار ألحان بسيطة لا تتعدى السلم الخماسي للنغمات ليعبر من خلالها ودون وعي عن حالات عاطفية معينة، يطور قدراته شيئا فشيئا مع مرور الزمن ليصبح قادرة على استيعاب وفهم الجمل الموسيقية المعقدة. و عندما يحاول الطفل الرضيع بتكرار أن يمسك بخشغوشته" التي تصدر صوتا محببة على قلبه أو يطور ألحان مناغاته شيئا فشيئا، فإن ذلك الدلالة أخرى على أن الإنسان يمتلك التعبير والاستيعاب الموسيقي منذ ولادته. 
  ومهما تكن درجة تطور الاستيعاب الموسيقي لدى الإنسان متدنية أو متطورة، تبقى الموسيقى المنبه أو المثير الأقل قابلية للإدراك الحسي بين جميع المنبهات التي تمتلك قدرة هائلة على التأثير في النفس البشرية. 
2- الموسيقى والحالات المزاجية :
   مع أن الموسيقى، بخلاف المؤثرات الأخرى الأكثر مادية نحو الصورة أو التمثال، تختفي بعد سماعها، إلا أنها فريدة بين المؤثرات الأخرى في قدرتها على إيقاظ أقوى المشاعر في داخلنا. وبوسعنا الادعاء علاوة على ذلك أن جميع حالات الإنسان الشعورية والمزاجية تتحول في أشد وأعظم درجاتها إلى إنتاج موسيقي ! فالإنسان في قمة حماسه يبدأ بالغناء وضرب الإيقاع، وفي قمة حزنه يحبس دمعه من خلال لحن جنائزي. ونادرا ما يقام حفل لدفن میت دون عزف الموسيقى الدينية أو الجنائزية. 
  وبالمقابل لا يقام حفل زفاف دون أن تعزف موسيقى راقصة مفرحة ولا يقام احتفال أو مهرجان دون أجواء موسيقية تميز نوع المهرجان وتضفي عليه صبغة معينة. ولا تستطيع الغالبية العظمى من الناس أن تتصور حياتها اليومية والمهنية دون مرافقة موسيقية خفيفة. وفي عهد أشرطة وأقراص التسجيل و أجهزة استقبال الإذاعة والتلفزة أصبح العدد الأكبر من البيوت والفنادق والشقق في العالم المتحضر مزودة | بتلك الأجهزة إلى حد كبير لا تجد معه غرفة واحدة لا تملؤها ألحان الموسيقى الخفيفة على مدار الساعة. 
  وعندما ندخل إلى مخازن البيع الكبرى فإننا غالبا ما نلتقط - عن غير قصد أو وعي - لحنا يشعرنا بالراحة أو أغنية معروفة تشعرنا بالطمأنينة، مما يضعنا في مزاج جيد بعيد عن التفكير بالهموم والمشاكل و يسهل علينا اتخاذ قرارات الشراء ودفع الأموال، لأنه ينسينا کم تعبنا لكسبها؟ وعندما نستمع إلى الموسيقى الرومانسية الجميلة أثناء العمل أو في الطريق إليه، فإنها تولد فينا تداعيات، تذكرنا بعطلة قضيناها في مكان جميل أو بالطقس المشرق الرائع أو بالاستلقاء على شاطئ البحر أو بأناس لطفاء وجو مريح، وتنسينا أننا نقوم بعملنا اليومي الرتيب.
  وعندما تترامى إلى مسامعنا ألحان عذبة هادئة عند طبيب الأسنان، فإنها تساعدنا على نسيان ألمنا وتسهل علينا الارتخاء لنفسح المجال أمام الطبيب لينجز عمله بنجاح. وكثيرة ما توظف الموسيقى في صالات التصنيع والتركيب لتشغل العامل فكرية وتجعله ينسى أنه يقوم بعمل رتیب بكل معنى الكلمة وتنقذه من الشعور القاتل بالملل، لأن العامل يربط قدرة التفكير والتخيل الفائضة لديه - والتي لا يحتاج سوى إلى جزء يسير منها في عمله الرتيب - بعربة الموسيقى المسافرة في عالم الخيال الواسع؟ وعلاوة على ذلك فإن الموسيقى موجودة أيضا ضمن وسائل النقل على الطرقات.
   فليس هناك سيارة واحدة غير مجهزة بمستقبل للإذاعة. ولا تساعد الموسيقى في السيارة على تغطية ضجة المحرك فحسب، بل إنها تساعد أيضا على توجيه الأفكار ودفعات النشاط التي لا يستخدمها السائق (الجالس في كرسيه والذي لا يحتاج أثناء قيادته للكثير من التفكير والنشاط) وتوظيفها إيجابيا لتهدئة الأعصاب.
فعلى أنغام لحن جميل محبب ينقلنا إلى جزيرة مشمسة شواطئها رملية طويلة تبدو لنا الطريق البائس الثلجية المليئة بالحفر والعثرات وكأنها الدرب التي ترشدنا إلى المكان الجميل الذي سنقضي فيه عطلتنا!
وعلى العموم تساعدنا الموسيقى في الطرقات لكي نبتعد عن العصبية والعدائية في القيادة ولكي تبقى ردود أفعالنا أكثر تأن وحكمة مما ستكون عليه الحال لو كنا نتعرض للإحباط والضغط النفسي الذي تسببه عجقة السير دون ذلك الدرع الموسيقي الواقي!
وفي أيامنا هذه تحرص الغالبية العظمى من الناس على اقتناء جهاز منبه مدمج مع جهاز الاستقبال الإذاعي في البيت، مما يسمح لصاحب الجهاز أن ينام ويستيقظ على أنغام الموسيقى، لأن الجهاز يتوقف من تلقاء نفسه طيلة فترة النوم ليعاود إصدار الموسيقى في الصباح في ساعة يحددها صاحبه.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع
    Back to top