بالإضافة إلى أساليب التربية التي قد تؤدي إلى حدوث اضطرابات التعلم لدى الأطفال هناك أنماط معينة للأسرة تزيد من احتمال حدوث مثل هذه الاضطرابات: إنها أنماط تشذ عن النمط الطبيعي للأسرة (أب وأم وأطفال)، ومن بينها "نمط الأسرة بلا أب"، و "نمط الأسرة بلا أم، و "نمط أسرة زوج الأم"، و "نمط أسرة زوجة الأب"، و "نمط الأطفال يتامى الأب والأم، ونمط الأسرة المحطمة".
يفتقد الطفل في الأسرة بلا أب إلى العنصر الأبوي الذي يناط به عادة دور الموجه الحازم المكمل لدور الأمر الذي يزود الأسرة بالحب والحنان. وبالطبع من الممكن أن يحتل شخص ذكري أخر مكان الأب الحقيقي في غيابه ويقوم بدور "الشخص المرتكز" الذي يتوجه الطفل بمساعدته، ولكن المشكلة في هذه الحال تكمن غالبا في غياب العلاقة العاطفية الحميمة بين الطفل والأب البديل. فمن الطبيعي ألا يظهر الشخص البديل رعايته العاطفية في جميع الحالات وتحت كل الظروف وهذا ما يشعر به الطفل ويتألم له في في جميع الحالات وتحت كل الظروف وهذا ما يشعر به الطفل ويتألم له في اللاوعي. وعلاوة على ذلك فإن التغيير المتكرر للشخص المرتكز يضر بتطور شخصية الطفل كما رأينا سابقا عندما تطرقنا إلى نماء الطفل من منظار إشكالية عقدة أوديب.
وبوسع الأم طبعا أن تشغل دور الأب والأم في آن معا ولكنها نادرا ما تنجح في ذلك. وكثيرا ما يبحث الطفل في المدرسة عن بديل لوالده الغائب. ولكن لا المعلم ولا أحد الزملاء يستطيع أن يشغل مكان الأب بصورة مقبولة. وهذا ما سيحبط الطفل ويجعله منغلقا على نفسه، مما يؤدي بدوره إلى تدني مستوى أدائه في المدرسة. وسيظل هذا الطفل يبحث عن بديل لوالده حتى عندما يبلغ ويخرج من المدرسة.
ولا شك أنه يرهق بذلك الأخرين لأنه يطلب منهم ما يفوق طاقتهم على العطاء من العطف الأبوي الذي حرم منه طوال حياته. وليس بمقدور شريك الحياة في المستقبل أن يسد الفجوة التي تركها غياب الأب. فقد تتزوج السيدة التي ترعرعت في غياب والدها برجل يكبرها سنة (ربما لأنها تبحث في اللاوعي عن رجل يقوم مقام والدها!)، ولكن هذا الزواج سيتحول يوما ما إلى مصدر للنزاع والصراع والمشاكل لأن أهداف الطرفين وتطلعاتهما متباعدة ولا تتفق مع ما يستطيع كل منهما أن يقدمه للأخر.
وبطريقة مشابهة يمكننا وصف وضع الطفل الذي يتربي في أسرة بلا أم: فهذا الطفل سيبحث في المدرسة وفي الحياة العملية لاحقا عن عطف الأم الذي افتقده في طفولته و الذي قد ترك غيابه أثر سلبية جدا على نمائه وتطور شخصيته. ولا يستطيع المعلم - ولا الشريك لاحقا - أن يقدم بدية حقيقية ودائما لعطف وحنان الأم! وقد لا تدوم في الواقع حالة الأسرة بلا أم طويلا، إذ سرعان ما يتزوج الأب بعد فقدان الزوجة أو سرعان ما يوكل تربية الطفل إلى مربية أنثى.


تعليقات
إرسال تعليق