القائمة الرئيسية

الصفحات

الفوز بثقة المريض - مسألة معالجة سيكولوجية سليمة



   يتمتع علم النفس بأهمية كبيرة بالنسبة للطبيب ويقدم له دعما كبيرا في مسعاه لإنجاح معالجة مرضاه، بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقا من الحقائق السيكولوجية فيما يتعلق بالفحوص الطبية الوقائية والإجراءات الوقائية الأخرى. وهنا لا بد من الإشارة إلى الأهمية القديمة قدم الزمن العلم النفس في نشوء علاقة الثقة بين الطبيب والمريض وبين المريض والدواء. ولا شك أن نجاح بعض أنواع الدواء يرجع إلى فعله السيكولوجي أكثر من فعله الكيميائي العضوي! 
  كما إن النجاح المميز الذي يحققه بعض الأطباء دون غيرهم لا شك أنه يتعلق بقدرتهم على الاستفادة من حقائق علم النفس أكثر من تعلقه بقدراتهم العلمية الطبية ومعرفتهم بتفاصيل الأمراض وعلاجها، تلك القدرات والمعارف التي يشتركون بها مع غالبية الأطباء الذين يشاركونهم الاختصاص نفسه. 
  وهكذا فإن نجاح الطبيب لا يتوقف على تشخيص المرض ووصف العلاج الناجع بقدر ما يتوقف على معالجة المريض الذي هو إنسان في المقام الأول، ومن أهم المحددات السلوك المريض "الإنسان" واستجاباته هي مخاوفه ومواقف الثقة أو عدم الثقة التي يتخذها تجاه الآخرين بالإضافة إلى آماله وتوقعاته التي تؤثر تأثيرا كبيرا على عملية الشفاء. 
  فالام ظهر المريضة الطفلة قد تكون ناتجة عن خطأ في بنية عامودها الفقري (و الذي يمكن كشفه بمساعدة صورة بالأشعة السينية)، ولكنها قد تكون من ناحية أخرى نتيجة الضرب المبرح الذي تعرضها له زوجة أبيها! وقد يكون سبب آلام المعدة قرحة معدية وقد يكون الخوف من الفشل والإخفاق في العمل؟ فعلى الطبيب إذا أن يتعرف على الدوافع التي تحكم سلوك مريضه وفقا للتصنيف الخماسي للدوافع الأساسية عند الإنسان) و أن يربط إجراءات التشخيص والعلاج بتلك الدوافع ربطا وثيقا. 
  ويجب على الطبيب ألا يهزأ من مخاوف مريضه حتى ولو كانت في واقع الأمر مخاوف مبالغا فيها أو غير مبررة، بل لا بد له أن يأخذ تلك المخاوف على محمل الجد. وباستطاعته داخله. ولا بد هنا من الإشارة إلى وجوب احترام الطبيب الشخص المريض ولخصوصياته في كل الأوقات. وعلى الطبيب أن يعي دائما أن اختلاف الأشخاص المرضى يستدعي تطبيق العلاج الفردي و الشخصي لكل مريض على حدة. فبينما يستدعي علاج المريض الأول أن يكون الطبيب صبورة ويشرح لمريضه جميع تفاصيل مرضه وطريقة العلاج، يكفي لعلاج المريض الثاني إعطاء فكرة مقتضبة عن المرض والعلاج لكي لا يصاب المريض باليأس والإحباط إذا ما عرف كل تفاصيل مرضه و أخطاره! ومن المثير للدهشة أن نعرف أن غالبية الناس يفضلون أن يصابوا بمرض خطير ومن ثم أن يشفوا منه بسرعة بمساعدة حيويتهم المتميزة ووضعهم الصحي الجيد. 
  فسرد هذه القصة المرضية أمام الأصدقاء والأقارب أفضل من الاعتراف بالإصابة بمرض بسيط و المعاناة بسببه لفترة طويلة! وقد نجد أن بعض الناس يفاخرون بأنهم قد شفوا من أحد أخطر الأمراض و أكثرها استعصاء على المعالجة! ومن البديهي أن اسم الطبيب المعالج الذي ساعد على الشفاء سيذكر في سياق القصة. ولا شك أن هذه القصص التي يسردها المرضى السابقون هي من أفضل وسائل الترويج والتسويق لعمل الطبيب ومن أفضل الطرق على الإطلاق لانتشار السمعة الجيدة والشهرة بالنسبة الطبيب في بداية طريقة المهني. ولكن المبالغة في إظهار خطر حالة المريض الفعلية تخفي من ناحية أخرى خطرا كبيرا، لأن المريض عادة ما يبالغ هو الآخر في وصف حالته الصحية ويضيف إلى الصورة التي رسمها له الطبيب مخاطر إضافية، وقد يذهب عندئذ بمرضه الذي أصبح الآن لا أمل في شفائه" إلى طبيب آخر سوف يدعي حينئذ أنه قد نجح في علاج مريض "عجز الأطباء جميعا عن علاجه!".
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع
    Back to top