لعل هذا السؤال واحد من أقدم الأسئلة في علم النفس وفي علم التربية على الإطلاق.
ولعل الأجوبة التي وجدت في الحقبات الزمنية المختلفة منذ البداية لم تنبثق فقط من أفكار و استنتاجات علمية بحتة، بل أثرت فيها معتقدات أساسية نابعة من تاريخ وتقاليد الشعوب والأديان. فلو انطلقنا على سبيل المثال من أن الإنسان "خیر" بطبيعته لأنه مخلوق إلهي، أي أن صفاته الموروثة أو فطرته خيرة منذ ولادته ولا يمكن تبديلها، فإننا سنخلص إلى نتيجة تربوية معينة تختلف كل الاختلاف عن تلك التي سنخلص إليها عندما ننطلق من أن الإنسان الشرير" بالفطرة وأن على المجتمع أن يحاول لجم تلك الفطرة والحد من عواقبها الوخيمة.
ومن الطبيعي أن النتيجة التربوية التي سنخلص إليها ستكون مغايرة للنتيجتين السابقتين إذا غضضنا الطرف عن فطرة الإنسان تماما وانطلقنا من أن كل ما يتصف به الإنسان إنما هو نتيجة للتربية التي يتلقاها، أكانت تلك التربية مقصودة يتصف به الإنسان إنما هو نتيجة للتربية التي يتلقاها، أكانت تلك التربية مقصودة أم غير مقصودة. وبينما نجد في أدبيات الماضي أن فطرة الإنسان - سواء أكانت "خيرة في الأساس كما هي الحال في كتابات روسو Rousseaul" أم كانت الشريرة" آثمة - هي التي تسيطر على تطوره سيطرة تامة، نرى في السنوات الأخيرة أن تصور مغايرة أخذ ينتشر ويحظى بالاهتمام، وهو أن تأثير البيئة على الإنسان لا تحكمه حدود ويتعدى تأثير الفطرة.
وهذا يدعم علم التربية في مبادئه الأساسية دعما كبيرا، لأنه لو كانت خصائص الإنسان محددة منذ ولادته وثابتة مع مرور الزمن، لما كان بمقدورنا تغيير أو فعل أي شيء بالاستعانة بطرائق علم التربية ولوجب علينا النظر إلى الأمور على أنها ساكنة ومتحجرة لا يمكن التأثير فيها. ومن ناحية أخرى فقد نتج عن هذه الرؤية، التي تركز على أن الإنسان صنيع بيئته، وبخاصة في الزمن القريب، أن الناس متساوون" مبدئيا وأن أي شكل من أشكال انعدام المساواة بينهم ما هو إلا نتاج الاختلاف في البيئة التي يعيش فيها كل منهم، وأنه يكفي لضمان "المساواة بين الناس أن نضمن تكافؤ الفرص الذي يعني تساوي ظروف المعيشة والبيئة المحيطة.
ولم تتطو هذه الرؤية على نكران أثر الصفات الموروثة الخاصة بكل فرد على تطور الإنسان فحسب، بل إنها كانت دافعا أساسيا لتبني الهدف الذي يسعى إلى تحقيق الحلم الديموقراطي" للثورة الفرنسية بالمساواة بين البشر - مع أن هذا الهدف لم يفهم بهذا الشكل في الأصل - والقضاء على الاختلاف بين الطبقات الاجتماعية وصهرها في طبقة واحدة والعيش بتألف ومساواة بين جميع أفراد المجتمع عن طريق كبح السريع" وتشجيع "البطيء".
حتى إن مناهج تتظيمية مدرسية ذات أهمية بعيدة المدى قد نشأت في هذه الفترة وأجبرت المربين من أهل ومدرسين على حمل أعباء لا يطيقون حملها من خلال تحميلهم المسؤولية الصريحة أو المضمرة بأن عليهم إيصال جميع الأطفال إلى المستوى ذاته من التعليم (شهادة جامعية على سبيل المثال)، وذلك بغض النظر عن الاختلافات بين الأطفال وعن الإعاقات التي قد يعاني منها بعضهم.


تعليقات
إرسال تعليق