هناك علاقة خاصة ومميزة تربط بين الطبيب والمريضة الأنثى. وذلك يعود إلى أن المرض مرتبط لدى الأطفال بالعقوبة، والعقوبة مرتبطة بالأهل - وبالأب على وجه الخصوص - ولذا فلا عجب أن تربط المريضة الطفلة وحتى المريضة البالغة) في عقلها الباطن بين الطبيب الذي ستحكي له الكثير عن مرضها ومشاكلها الخاصة -أي إنها ستكون مكشوفة أمامه وتحت سلطته - من جهة ووالدها من جهة أخرى، وقد ترى في شخص الطبيب صورة والدها! ولذا فإن موقفها من الطبيب غالبا ما يتسم بالاحترام والطاعة، فتوصياته وأوامره واجبة التنفيذ كما لو كانت صادرة عن والدها.
وقد ينتج عن ذلك صراع داخل المريضة بين المقام النفسي السيكولوجي للطبيب في وجدان المريضة وبين مقام ومكانة زوجها: ففي بعض الأحيان تبوح المريضة للطبيب من خصوصياتها أكثر ما تبوح به لزوجها، مما قد يؤدي إلى تقوية علاقتها بالطبيب كإنسان أيضا ويجعل تلك العلاقة تفوق علاقتها بزوجها قوة وقربا. وهذا ما قد يصدم المريضة لدى اكتشافها لهذه الحقيقة المحرجة، فتحاول العمل على معاكسة هذا التطور وتبدأ برفض نصائح الطبيب وتصويره على أنه طبيب سيئ؟ وبعبارة أخرى، تتفجر داخل المريضة مشاعر متناقضة تجاه الطبيب شبيهة بتلك التي طورتها في طفولتها تجاه والدها، عندما أحبته في اللاوعي وفي الوقت ذاته بغضته ورفضته لأنها حملته مسؤولية رفضها لوالدتها!
وقد تطرقنا إلى تلك المشاعر المتناقضة تجاه الأب عندما ناقشنا عقدة أوديب في فصل سابق من هذا الكتاب. وعلى العموم قد يصل الطبيب إلى "فعل شفائي" بمجرد أن يفسح المجال أمام المريض لكي يجلس مع طبيبة بارتياح ويتكلم عن مشاكله العضوية والنفسية وبخاصة في الحالات المرضية التي يقع سببها في المجال النفسي أكثر منه في المجال العضوي، حيث يكون علاجها سيكولوجية أكثر منه دوائيا.
لا يمكننا معرفة نسبة تلك الحالات بدقة ولكننا لا نخطئ في تقديرنا إذا انطلقنا من أن تلك النسبة - وبخاصة فيما يتعلق بالمرضى النساء - لا تقل انطلقنا من أن تلك النسبة - وبخاصة فيما يتعلق بالمرضى النساء - لا تقل عن 30 إلى 40 بالمئة من جميع الحالات التي يعالجها الطبيب. فالمطلوب إذا من الطبيب في المقام الأول هو تقديم الوقت الكافي للإصغاء إلى المريضة وتفهم معاناتها وكسب ثقتها من خلال الإدارة غير المباشرة للحديث (طريقة الإصغاء والاكتفاء بإبداء الاهتمام البالغ بما يقوله الطرف الأخر)! وقد ينشأ في بعض الحالات صراع حقيقي بين الطبيب والمريضة، لأن تعلق المريضة المفرط بالطبيب قد يعزز أوهام وتخيلات قد تربك الطبيب.
وقد تنشأ بهذه الطريقة شائعات عن ملامسة حميمية أو حتى "علاقة عاطفية" بين الطبيب والمريضة، مع أن ذلك لا يتعدى في الواقع كونه ضربا من ضروب "أحلام اليقظة نابعا عن رغبة عارمة في لاوعي بعض المريضات العلاقة حميمية حرمن منها في طور من أطوار تطورهن. وهنا ينصح الطبيب بأن يحرص دائما على وجود شخص ثالث أثناء المعاينة مساعدة أو ممرضة)، لكي لا ينفرد بالمريضات اللاتي يبدين تلك النزعة للتوهم والتخيل المرضي. كما ينصح فضلا عن ذلك بالإسراع في وضع حد صارم لتطور تعلق المريضة المفرط بطبيبها (و الشبيه في كثير من الأحيان بتعلق الطفلة بوالدها)، إذا ما اكتشف بوادر هذا التطور قبل أن تنشأ تلك التخيلات والتصرفات التي تنتج عنها، والتي دون أدنى شك، من شأنها أن تلحق الضرر الكبير بسمعة عيادة الطبيب.


تعليقات
إرسال تعليق