القائمة الرئيسية

الصفحات

علم النفس وفن الخطابة



1- الخطاب وسيلة أساسية في الحياة الديموقراطية :
   تعتمد واحدة من أهم اليات تأثير الإنسان على الإنسان في المجتمع الديموقراطي على الخطاب والكلام والحوار. فعندما يعبر الإنسان عن ذاته أمام إنسان آخر أو مجموعة من الناس، فإنه لا يوصل إلى الطرف الأخر معلومة مجردة فحسب، بل إنه يضيف إليها شكلا مميزة من أشكال تحفيز الطرف الأخر ويخلق لديه بشكل ما استعدادا للقيام بنشاط معين. 
  ومنذ أصبح الإنسان عندما يتكلم لا يسمع في مكان تواجده فحسب، بل ومن خلال الأوساط الإعلامية المختلفة في مختلف الأمكنة القريبة والبعيدة، عظمت أهمية الخطاب وازداد اتساع تأثيره أكثر من ذي قبل. سنحاول فيما يلي إظهار بعض الجوانب التطبيقية لعلم النفس في تدعيم أثر الخطاب دون الادعاء أننا نقدم نظرة شاملة ومفصلة عن مجال فن الخطابة الواسع جدا. 
2- زيادة فعالية الخطاب بالوسائل السيكولوجية :
  بوسع الخطيب عندما يقف أما الجمهور أن ينطلق من مبدأ أساسي ومهم وهو أن الموجودين مهما اختلفت أفكارهم قبل بدء الخطاب يجمعهم أمر واحد على الأقل وهو أنهم قد أتوا ليستمعوا إلى خطابه. ولكن أفكارهم في الوقت الحالي مركزة على أمور كثيرة ومختلفة: 
  فقد يتساءل أحدهم عما إذا كان المكان الذي أوقف فيه سيارته أمنا أم لا، وعما إذا كان قد نسي أن يقفل باب السيارة، وقد ينتاب أخر الشك بأنه لم يحكم إغلاق صنابير المياه في البيت، وقد يفكر ثالث بما سوف يقرره غدا في موضوع مهم من مواضيع عمله، وما إلى ذلك من مواضيع مختلفة ومتنوعة بتنوع الأشخاص الموجودين واختلافهم. 
  فموقف جمهور المستمعين حتى الآن يشبه إلى حد بعيد موقف من يذهب إلى مخزن لبيع الكتب، فهو ودون أدنى شك مهتم مبدئية بالإصدارات الجديدة ولكنه لم يحسم أمره بعد ولم يقرر إن كان سيشتري أحد الكتب المعروضة أم لا وإذا كان سيشتري فأي من الكتب سيختار! ولما كانت أفكار الموجودين مختلفة، وجب أولا تركيزها على موضوع بعينه وتحويل هذا الجمهور اللامتجانس فكرية إلى جمهور متجانس قدر الإمكان، إلى جماعة مستمعين اهتمامهم الأساسي والوحيد هو ما سيقوله الخطيب! ولا شك أن الاهتمام بالعوامل التالية سيساعد على تحقيق هذا الهدف:
أ - الإضاءة :
يجب أن توحي إضاءة الصالة التي ينظم فيها الخطاب والبناء ككل بالكرم كما يجب أن تشعر بالارتياح. فإذا كانت الصالة معتمة وكان البناء مبهم المعالم، فإن ذلك سيوحي بالتقشف والتوفير ويسبب مشاعر التخوف وعدم الارتياح ويجعل القادم يظن أن عدد الحاضرين قليل وأنه لذلك لن يشعر في هذا المكان بالأمان. وعلى العكس من ذلك توحي الإضاءة الجيدة الوافية بأن عدد الحضور من الموجودين وممن سيأتون لاحقا كبير وبذلك ينشأ الانطباع لدى القادم منذ البداية بأن ما يقوم به صحيح لأن كثيرين يقومون بالشيء ذاته أي إنه "واحد من الجماعة". 
  وبينما يدفع الظلام الإنسان إلى الانطواء على الذات تحفزه الإضاءة على الانبساط والانشراح. ولنجاح الخطاب لا بد أن يتخذ الجمهور موقفا منفتحا منبسطا إلى الخارج لا أن يعتكف كل على ذاته ويغوص في أعماقها. وقد يناسب هذا الموقف الانطوائي الجلسات الروحية وتجمعات الصلاة والتأمل، وفي هذه الحال تكون الصالة الخفيفة الإضاءة مناخا مناسبا لهذه النشاطات.
ب - نظام ترتيب المقاعد:
 بالإضافة إلى الإضاءة فإن نظام ترتيب المقاعد على درجة كبيرة من الأهمية. فإذا ما جلس المستمعون بشكل تنشأ فيه مسافات كبيرة بين مستمع وأخر، يزداد وعي كل مستمع لفرديته وينخفض إحساسه بأنه واحد من الجماعة. 
  وحينئذ يشعر المستمع بمسؤوليته الفردية ويراقب تصرفاته وينتبه إلى ردود فعله ويعي أفكاره ولا يترك لنفسه العنان لتسبح مع التيار بسهولة كما كان سيفعل، لو جلس المستمعون بشكل يرى فيه كل مستمع نفسه محاطا بالأخرين مما يخفف من شعوره بفرديته ويزيد من شعوره بأنه واحد من الجماعة وبأنه لا يتحمل مسؤولية خاصة تحدد تحركاته وردود أفعاله فيطلق النفسية العنان لتتفاعل بحرية تامة مع الخطيب!
3- دور الخطيب في الحفاظ على انتباه الحضور:
  والأن نتساءل عن كيفية الحفاظ على مستوى الانتباه لدى الحضور والذي نجح منظم ومقدم الخطاب في تحقيقه. فلنتجاوز بداية المضمون الخطابي وأنتجه إلى العوامل الشكلية المكملة، لأنها عوامل جاذبة للاهتمام" إن هي وظفت لهذا الغرض توظيفة سليمة. ومن بين تلك العوامل جميع أشكال وسائل الإيضاح من جهاز الإسقاط على الحائط إلى جهاز إظهار الشفافات إلى لوح إيضاح الأشكال وما إلى ذلك. 
  وبوسع الخطيب تحضير بعض وسائل الإيضاح هذه قبل بدء المناسبة (نحو إلصاق بعض الصور والمخططات والجداول أو رسم بعض الأشكال على لوح الإيضاح). 
  ومن الملفت أن مجرد تغيير وضعية الخطيب أو توجهه باتجاه | جهاز الإسقاط أو إمساكه بقلمه أو بقضيب التأشير يرفع مستوى الانتباه لدى الحضور بشكل ملحوظ لأنهم يتوقعون من الخطيب إيضاحا إضافيا يدعم معنى الكلام الذي يقوله. وغالبا ما يكفي شكل توضيحي فيه بعض الأسهم والدوائر والاختصارات الدالة على الكلام لتدعيم كلام الخطيب والوصول إلى مستوى أعلى من الفهم والاستيعاب لدى الجمهور ولرفع مستوى انتباههم ومتابعتهم. وهذا تماما ما يقوم به كل معلم في المدرسة، عندما يرسم على اللوح مخططا بسيطا يشرح ما يريد أن يقدمه في حصته التدريسية، يكتب فيه عنوان الدرس وبعض رؤوس الأقلام ويرسم فيه شكلا توضيحيا بسيطا. 
  وبالطبع من الممكن تقديم خطاب "يشعل" الانتباه و يهيج" الحضور دون الحاجة إلى تلك الوسائل المساعدة إذا كان الموضوع بحد ذاته مثيرا | للاهتمام. ولكننا لا نستطيع من جهة ضمان اهتمام الناس بمواضيع جميع الخطابات قاطبة، ومن جهة أخرى فإن وسائل الإيضاح ترفع دون أدنى شك من مستوى اهتمام الحضور بمحتوى الخطاب مهما كان المحتوى مثيرة للاهتمام في الأصل.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع
    Back to top