بوسعنا بداية أن نلاحظ أن المرء يصاب بالإجهاد أو الضغط النفسي عندما يعاني من حالة خيبة أمل مستمرة، فحينئذ تصاب جميع أعضاء جسده بالتعب الشديد والإرهاق ونجدد "عصبيا" جدا وفي حالة استعداد وتأهب مستمرين، لأنه يشعر باستمرار أن خطرا ما يهدده أو أن عليه القيام بما يفوق طاقته. ولا شك أن استعداده وتأهبة الدائم يجعلانه متوترا وحساسا" أكثر من المعهود و سريع الغضب" حتى إننا قد نصفه أحيانا بأنه قد فقد "روح المرح والفكاهة" وبات مبالغا في "جديته".
وبوسعنا وصف استجابات وردود فعل الإنسان في هذه الحالة بالمضطربة أو العصابية. فالإنسان العصابي يتميز عن غيره بابتعاده في سلوكه العام عن السلوك المتوقع والمألوف وبأن تصرفاته ذات سمة قسرية. فهو لا يريد في الواقع أن يتصرف على هذا النحو، لكنه يشعر أنه مجبر على ذلك وأنه يفقد السيطرة على ذاته.
إن شيئا ما في داخله يجبره على التخوف من المجهول وعلى أن يبالغ في الدقة والالتزام بالمواعيد والاتفاقات وعلى أن ينتقد الأخرين دون سبب وجيه وما إلى ذلك من تصرفات لا يجد لها حتى هو ذاته مبررا مقنعا. وفي الواقع فإن الإنسان العصابي فاقد الثقة بقدراته، إنه يعاني من زعزعة موقفه النفسي ومن الشعور بالنقص تجاه الآخرين ويحاول أن يخفي شعوره هذا باتخاذ المواقف المتصلبة" تجاه نفسه وتجاه الآخرين.
ويعاني المرء في هذه الحال من الإرهاق الجسدي أيضا بسبب عدم القدرة على النوم العميق وعدم الاكتفاء منه و بسبب القلق الفكري المستمر وحالة الشك الدائم وتأنيب الضمير التي تسيطر عليه ولا تسمح له بأن يخلد إلى الاسترخاء والراحة. وهذا ما قد يؤثر أيضا على شهيته للطعام وقد يسبب له اضطرابات هضمية وآلام في المعدة واضطرابات في الدورة الدموية أو في جهاز التنفسي! وكثيرا ما نجد المرء في هذه الحال يتصبب بالعرق لأقل سبب كان مما يدل على التوتر والعصبية، وهذا ما يؤدي بدوره إلى انخفاض في مستوى أدائه العام.
ولا شك أن السبب في ذلك يعود إلى أن الإنسان العصابي ينطلق دائما من أن الآخرين ينظرون إليه بريب ولا يضمرون له الخير ولا يريدونه أن يخرج من ورطته" ولذلك فهو على يقين أن من واجبه الحذر واليقظة والكفاح ضد "المغرضين"! ولنتساءل على سبيل المثال عن عدد المكالمات الهاتفية التي يجريها العاملون داخل المؤسسات العامة على وجه الخصوص، لا لشيء إلا لإشباع رغبة خفية في داخل كل منهم لمعرفة ما يفكر به أو يفعله زملاؤه في هذه اللحظة تحديدا أو للتأكد من أنهم لا يحيكون له الخطط والحيل التخريب" مشاريعه وخططه الخاصة.
ومع أن أحدا لم يبحث في هذه المسألة بدقة، إلا أننا نستطيع أن ننطلق من أن عدد تلك المكالمات كبير جدا وأنها تكلف المؤسسات أموالا كثيرة و أن حجم ذلك الهدر يتناسب طردا مع تضخم الجهاز الإداري ومستوى انعدام علاقات الثقة بين العاملين فيها.


تعليقات
إرسال تعليق