يظهر كفاح الطفل لتحقيق ذاته واضحة في أنماط سلوك خاصة تتعلق بترتيبه بين أشقائه في الأسرة. وإننا لنخطئ إن انطلقنا من أن الأطفال الذين يترعرعون في أسرة واحدة وفي الظروف ذاتها يعيشون فعلا في بيئة نفسية واحدة! إن الطفل الأكبر في الأسرة يرى بكل تأكيد بيئة مختلفة تماما عن تلك التي يراها الطفل الأصغر. فعادة ما يكون الطفل الأول في الأسرة موضع اهتمام العائلة بأسرها، فنجد كل شيء موجها نحو رغباته وأهوائه، وإذا ما صرخ وجب القيام بأي شيء كان لإرضائه.
ولكن ذلك كله يتغير لدى ولادة طفل ثان، لأن الطفل الجديد سيصبح تلقائية مركز اهتمام الأسرة، مما سيؤدي حتما إلى شعور الطفل الأول بالإهمال أو إلى شعوره على الأقل بمنافسة حقيقية لأول مرة في حياته. ولذلك نجده يرفض أخاه الجديد ويتمنى استرجاع مكانته السابقة. ولما كان تحقيق هذه الأمنية غير ممكن، فإن الطفل الأول يتعايش مع الوضع الجديد ومع منافسه من خلال تعلم الاستمتاع بمكانته كأخ أكبر" أثناء اللعب.
ولكن صدمة وجوب تقاسم كل شيء مع منافس أخر قد يستمر تأثيرها إلى عمر الشباب وحتى إلى عمر البلوغ، وقد تسبب عقدة نفسية عميقة لدى الشخص المعني. ومن ردود الفعل النمطية للطفل الذي يضطر إلى التخلي عن مكانته المتميزة كمركز اهتمام العائلة أو إلى مقاسمة مكانته مع أخ جديد أو أخت جديدة، أن يتراجع" أو يعود إلى مرحلة سابقة من مراحل تطوره. ويفهم من تعبير "التراجع" أن يرجع الطفل دون وعي إلى مرحلة سابقة كان قد تخطاها بنجاح. فنجده يعاود فجأة التبول في فراشه على سبيل المثال أو التلعثم في الكلام أو قضم الأظافر. وقد يلجأ لردود فعل معارضة وعنيدة بشكل من تعبير "التراجع أن يرجع الطفل دون وعي إلى مرحلة سابقة كان قد تخطاها | بنجاح. فتجده يعاود فجأة التبول في فراشه على سبيل المثال أو التلعثم في الكلام أو قضم الأظافر. وقد يلجأ لردود فعل معارضة وعنيدة بشكل من الأشكال (كأن يتصرف كطفل في الثالثة من العمر مع أنه قد تخطى السادسة | على سبيل المثال).
فيكون ذلك التبول في الفراش مثلا تعبيرا عن حنينه في اللاوعي إلى تلك الفترة السابقة التي كان فيها مركز اهتمام الجميع . وبصورة مشابهة نفهم رجوع الطفل إلى التلعثم - بعد أن أصبح نطقه تامة - على أنه مؤشر واضح على حاجته الماسة إلى اهتمام و عطف أكثر بكثير مما يتلقاه في الوقت الحاضر، وبالطبع لا نتكلم الأن عن التلعثم ذي المنشأ العضوي أو العصبي، بل عن تلعثم التراجع" لدى طفل كان قادرا على الكلام بصورة سليمة وفقد هذه القدرة تحت تأثير نقص الحب والعطف والاهتمام وأصبح يتلعثم كما كان يفعل عند بداية تعلمه الكلام حيث كان يحظى بالرعاية والاهتمام الكبيرين لأنه كان الطفل المدلل. ولا شك أن حل هذه المشكلة واضح وبسيط: علينا أن نقدم لهذا الطفل القدر الذي اعتاد عليه من الحب والعطف والاهتمام وأن نظهر له ذلك كله.
وسنلاحظ حينئذ كيف ستختفي هذه العوارض بالسرعة التي ظهرت بها سيكون اختفاؤها سريعا نسبيا !). وعلى العكس من حال الطفل الأول يجد الطفل الثاني نفسه منذ الولادة في وضعية التنافس مع أخيه الأكبر أو أخته الكبرى. ولذلك فهو لا يشعر بهذا | الانتقال من مركز الاهتمام الأول إلى مركز الاهتمام الثاني. بل إنه يجد نفسه منذ البداية مجبرا على الكفاح للحصول على رغباته محققة وعلى الاستفادة من "انبساطيته" النسبية ومن مشاعر الآخرين نحوه لكي يفرض نفسه أمام منافسه الأقوى: فحالما يصرخ تسرع الأم لنجدته ظائة أن أخاه الأكبر قد أخذ منه شيئا ما أو أزعجه بأمر ما.


تعليقات
إرسال تعليق