القائمة الرئيسية

الصفحات

الحفظ والنسيان - ذاكرتنا



   تتصل مسألة الحفظ والنسيان (أي الذاكرة) اتصالا وثيقا بموضوع التعلم في اللاوعي. كيف يمكننا أن نفسر حقيقة أننا نحفظ انطباعات معينة ونتذكرها | الاحقا، مع أنها حدثت لنا مرة واحدة فقط، بينما لا نستطيع الاحتفاظ بانطباعات أو أحداث أو معطيات أخرى بالرغم من محاولاتنا المقصودة والمتكررة لحفظها؟ إن مجرد تكرار محاولات الحفظ هو أحد العوامل المساعدة على نجاح عملية الحفظ، ولكنه يبدو غير ضروري في بعض الأحيان ومن المؤكد أنه غير كاف في جميع الحالات! | لا شك أنها نعمة من نعم الخالق أن ينسى الإنسان الكثير من المواقف التي يمر بها والانطباعات التي يتلقاها. ولولا النسيان (أي لو توجب علينا | الاحتفاظ بكل ما نمر به من مواقف) لما كان بوسعنا التوجه بكامل و عينا | النتابع حياتنا ونعيش اللحظات الجديدة. لحسن حظنا أننا ننسى عموما الانطباعات السيئة والمخجلة و المزعجة أو نحاول نسيانها أو نكسبها ببساطة معنى جديدا، بحيث نحتفظ بها في نهاية المطاف كانطباعات إيجابية. فمن لا يتذكر أوقات الدراسة بمشاعر الحنين و الفرح ؟! مع أن تلك الأوقات تحديدا من عمر الطفولة والشباب يجب أن تفرز في الواقع أصعب و أزعج الذكريات بالنسبة للغالبية العظمى من الناس. ونذكر هنا على سبيل المثال اللقاءات - التي تعتبر إجبارية في ألمانيا - بين "رفاق الصف الواحد" بعد سنين طوال من تطور كل فرد منهم في طريق تختلف عن طرق تطور الأخرين. فبعد أن يعتاد كل منهم على الأوجه الجديدة للرفاق القدامى ويستعيد أسماءهم من ذاكرته البعيدة وبعد أن يخبر كل منهم الأخرين عن وضعه العائلي والمهني يبدؤون تلقائيا باستذكار الأحداث والمواقف المتميزة التي جمعتهم في الماضي على نحو: أتذكر عندما كنا ...؟، وتبدأ سلسلة الاستذكار التي ليس لها نهاية... والفرق الأساسي بين الذكرى الأن و الواقع سابقا هو أن المشاعر التي تنتاب الجميع الآن هي مشاعر إيجابية يغلب عليها الحنين والفرح والارتياح و المرح بخلاف المشاعر التي طغت على الواقع في الماضي والتي ربما كانت مشحونة بالخوف والذعر والإحباط - بالنسبة للبعض في أقل تقدير!
و علينا في البداية أن نركز على أن الحفظ مرتبط ارتباطا وثيقا بالحفز والدوافع. فإذا ما أراد الإنسان حفظ شيء ما وطبعه في ذاكرته، فإنه غالبا ما سينجح في ذلك. وبالمقابل نجد أن الإنسان ينسى بسرعة الانطباعات و المواقف التي لا يعتبرها مهمة ومحببة على قلبه، ويشكو بعد ذلك من الضعف ذاكرته"! | وفي الواقع فإن الكثيرين من أولئك الذين يشكون من ضعف ذاكرتهم إنما قد فقدوا ببساطة الحفز الكافي لحفظ تلك المواقف والانطباعات التي نسوها.| وكثيرا ما يفقد الإنسان العجوز اهتمامه ببيئته المجاورة ويركز جل اهتمامه على شخصه وذكرياته القديمة، مما يجعله يستقبل ما يدور حوله بقليل من التركيز والاهتمام، ولذلك نجده ينسى يومياته وحاضره وماضيه القريب ويتذكر - وربما يجتر" - في ذات الوقت ماضيه البعيد. وبالطبع يضاف إلى انعدام الحفز أسباب الترهل العضوي التي تؤثر على الذاكرة كالية دماغية عضوية.
ولكن هذا العامل العضوي بيقى محدودا في أهميته إذا ما قورن بالعامل النفسي الحفزي. فباستطاعة كل امرئ دون أدنى شك أن يحفظ أي اسم كان بعد سماعه لمرة واحدة، إذا كوفي ذلك بمبلغ مالي مقداره ألف يورو على سبيل المثال!
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع
    Back to top