إن رد الفعل الأول والعفوي أو "الغريزي" على حالة الصراع التي يقع فيها الإنسان أو على الإحباط الذي يصاب به - والذي هو أساس حالة الصراع - هو العنف أو على الأقل الميل إلى العنف بهدف إلحاق الضرر بمنبع أو مسبب الصراع أو القضاء عليه! إلا أن البشرية ومنذ آلاف السنين كانت وما تزال تسعى جاهدة إلى كبح ذلك الميل القطري الخطير إلى العنف من خلال وضعه ضمن أشد المحرمات.
وما تحريم العنف في جميع الحضارات وعبر كل العصور إلا دلالة واضحة على الخطر العام والكبير الذي يشكله انتشار ثقافة العزف على استمرار البشرية برمتها. ولقد استطاعت بعض "المنافذ القليلة أن تحتفظ لنفسها باستثناء من تحريم إظهار العنف وفي الحالات الاضطرارية" فقط. نذكر منها على سبيل المثال الرياضة بشكليها الفعال أو السلبي أي من خلال ممارسة الرياضة أو بمجرد الاكتفاء بمتابعة المبارزات الرياضية والتعاطف مع أحد الأطراف المتبارزة. فعندما يمارس الإنسان الرياضة، أكان ذلك بشكلها الفعال أم السلبي، فإنه يستطيع أن يفرغ العنف المحتقن داخله دون خطر بالمقدار الذي يستطيع به التعاطف أو الاتحاد مع منفذ الحركات العنيفة بشكلها الرياضي.
إذ إنه من خلال اتحاده العاطفي مع منفذ الحركات العنيفة يشعر وكأنه قد قام بها هو ذاته. وبوسعنا أن نلاحظ بسهولة أن القواعد التي تحكم المبارزات الرياضية تزداد وتتعقد بالمقدار الذي يزداد فيه عدد المشاركين في الحدث الرياضي ككل. وهذا ما يسبب بدوره الإحباط والعنف من جديد لأن تلك القواعد تقيد المتبارزين و المتابعين على حد سواء وتسلبهم حريتهم في التعبير عما في داخلهم من عنف.
وهذا ما يتضح من مراقبة مباريات كرة القدم التي تجري في عطلة نهاية الأسبوع: فلقد أصبح العنف الفعلي الظاهر بين مشجعي الفريقين مشهدا مألوفا بعد انتهاء المباريات - وأحيانا أثناءها! وفي الواقع ليس لدينا أية العبة رياضية تسمح قواعدها بإظهار العنف بشكل صريح ومباشر ولكن دون مخاطر. وهكذا تبقى النشاطات الرياضة المنفذا" مهما جدا أو "صمام أمان للعنف المحتقن في داخلنا، ولكنه يبقى مجرد منفذ صغير غير قادر على احتواء كل العنف المتزايد المحتقن فينا. وكيف نحكم على مشاهد العنف التي تتسابق أمام أعين المشاهدين على شاشتي الرائي والسينما وعلى خشبة المسرح؟ قد يعتقد المرء، استنادا إلى ما سبق ذكره في مجال متابعة المباريات والمبارزات الرياضية، أن مشاهد العنف التي يتابعها الإنسان المعاصر على شاشة العرض أو على خشبة المسرح في أوقات فراغه و أثناء ممارسته الأكثر أنواع الهوايات انتشارا في الوقت الراهن من شأنها أن تساهم في خفض مستوى العنف المحتقن لديه من خلال تعاطفه أو اتحاده مع ممثل تلك المشاهد العنيفة وشعوره بأنه هو من يؤدي تلك المشاهد! إن الدراسات في هذا المجال تثبت أن هذا الاعتقاد صحيح ولو ضمن حدود معينة.
فمجرد متابعة مشاهد العنف على الشاشة أو على خشبة المسرح تكفي أحيانا ليصبح بعض الناس أقل استعدادا للقيام بأفعال العنف عما كانوا عليه قبل المتابعة. ولكن الدراسات تظهر أيضا أن مشاهد العنف قد ترفع من استعداد البعض الآخر للقيام بأعمال العنف حتى إن بعض الشباب على وجه الخصوص يتشجعون على التصرف بعنف مشابه للمشاهد على الشاشة أو على خشبة المسرح! ولا نملك لسوء الحظ أية إمكانية التوقع أثر ما يقدم على شاشة الرائي أو السينما أو على خشبة المسرح على المشاهد كما إننا لا نستطيع من الناحية السيكولوجية أن نحدد آلية التأثير بدقة. وعلينا كما إننا لا نستطيع من الناحية السيكولوجية أن نحدد آلية التأثير بدقة.
وعلينا أن نقبل من حيث المبدأ بوجود إمكانيات و أشكال متعددة للتأثر. ولسوء الحظ أيضا فإن إمكانية التخلص من العنف المحتقن من خلال القيام بالأعمال الجسدية المرهقة إلى حد ما أثناء ممارسة الهوايات التي تعتمد على الحركة الجسدية (نحو العناية بحديقة البيت أو ممارسة ركوب الخيل في الحقول على سبيل المثال) لم تعد متاحة للإنسان المعاصر بشكل عام. وقد يعود السبب في ذلك إلى ضيق الوقت أو إلى عدم توفر الإمكانيات المادية الكافية للقيام بتلك النشاطات. وإن كانت تلك الإمكانية متوفرة لقلة من الناس، فهي دون شك غير متوفرة على نطاق واسع.


تعليقات
إرسال تعليق